سورة الفتح - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (19)}
{وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} هي مغانم خيبر كما قال غير واحد، وقسمها عليه الصلاة والسلام كما في حديث أحمد. وأبي داود. والحاكم. وصححه عن مجمع بن جارية الأنصاري فأعطى للفارس سهمين وكان منهم ثلثمائة فارس وللراجل سهمًا، وقيل: مغانم هجر، وقرأ الأعمش. وطلحة. ورويس عن يعقوب، ودلبة عن يونس عن ورش. وأبو دحية. وسقلاب عن نافع. والانطاكي عن أبي جعفر {تَأْخُذُونَهَا} بالتاء الفوقية والالتفات إلى الخطاب لتشريفهم في الامتنان {وَكَانَ الله عَزِيزًا} غالبًا {حَكِيمًا} مراعيًا لمقتضى الحكمة في أحكامه تعالى وقضاياه جل شأنه.


{وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (20)}
{وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً} هي على ما قال ابن عباس. ومجاهد. وجمهور المفسرين ما وعد الله تعالى المؤمنين من المغانم إلى يوم القيامة {تَأْخُذُونَهَا} في أوقاتها المقدرة لكل واحدة منها {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} أي مغانم خيبر {وَكَفَّ أَيْدِىَ الناس عَنْكُمْ} أيدي أهل خيبر وحلفائهم من بني أسد. وغطفان حين جاءوا لنصرتهم فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فنكصوا، وقال مجاهد: كف أيدي أهل مكة بالصلح، وقال الطبري: كف اليهود عن المدينة بعد خروج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الحديبية وإلى خيبر، وقال زيد بن أسلم وابنه. المغانم الكثيرة الموعودة مغانم خيبر والمعجلة البيعة والتخلص من أمر قريش بالصلح، والجمهور على ما قدمناه، والمناسبة لما مر من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الخطاب وغيره بطريق الغيبة كقوله تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ الله عَنِ المؤمنين إِذْ يُبَايِعُونَكَ} [الفتح: 18] تقتضي على ما نقل عن بعض الأفاضل أن هذا جار على نهج التغليب وإن احتمل تلوين الخطاب فيه، وذكر الجلبي في قوله تعالى: {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} إلخ إنه إن كان نزولها بعد فتح خيبر كما هو الظاهر لا تكون السورة بتمامها نازلة في مرجعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية وإن كان قبله على أنها من الأخبار عن الغيب فالإشارة بهذه لتنزيل المغانم منزلة الحاضرة المشاهدة والتعبير بالمضي للتحقق انتهى، واختير الشق الأولى، وقولهم: نزلت في مرجعه عليه الصلاة والسلام من الحديبية باعتبار الأكثر أو على ظاهره لكن يجعل المرجع اسم زمان ممتد. وتعقب بأن ظاهر الأخبار يقتضي عدم الامتداد وأنها نزلت من أولها إلى آخرها بين مكة والمدينة فلعل الأولى اختيار الشق الثاني، والإشارة بهذه إلى المغانم التي أثابها إياها المذكورة في قوله تعالى: {وأثابهم فَتْحًا قَرِيبًا وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 18، 19] وهي مغانم خيبر، وإذا جعلت الإشارة إلى البيعة كما سمعت عن زيد وابنه وروى ذلك عن ابن عباس لم يحتج إلى تأويل نزولها في مرجعه عليه الصلاة والسلام من الحديبية {وَلِتَكُونَ ءايَةً} الضمير المستتر، قيل: للكف المفهوم من {الذى كَفَّ} والتأنيث باعتبار الخبر، وقيل: للكفة فأمر التأنيث ظاهر.
وجوز أن يكون لمغانم خيبر المشار إليها بهذه والآية الأمارة أي ولتكون أمارة للمؤمنين يعرفون بها أنهم من الله تعالى كان أو يعرفون بها صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في وعده إياهم فتح خيبر وما ذكر من المغانم وفتح مكة ودخول المسجد الحرام، واللام متعلقة إما حذوف مؤخر أي ولتكون آية لهم فعل ما فعل أو بما تعلق به علة أخرى محذوفة من أحد الفعلين السابقين أي فعجل لكم هذه أو كف أيدي الناس عنكم لتنتفعوا بذلك ولتكون آية، فالواو كما في الإرشاد على الأول اعتراضية وعلى الثاني عاطفة، وعند الكوفيين الواو زائدة واللام متعلقة بكف أو بعجل {وَيَهْدِيَكُمْ} بتلك الآية {صراطا مُّسْتَقِيمًا} هو الثقة بفضل الله تعالى والتوكل عليه في كل ما تأتون وتذرون.


{وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (21)}
{وأخرى} عطف على {هذه} في {فَعَجَّلَ لَكُمْ هذه} [الفتح: 20] فكأنه قيل فعجل لكم هذه المغانم وعجل لكم مغانم أخرى وهي مغانم هوازن في غزوة حنين، والتعجيل بالنسبة إلى ما بعد فيجوز تعدد المعجل كالابتداء بشيئين، وقوله تعالى: {لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} في موضع الصفة ووصفها بعدم القدرة عليها لما كان فيها من الجولة قبل ذلك لزيادة ترغيبهم فيها، وقوله تعالى: {قَدْ أَحَاطَ الله بِهَا} في موضع صفة أخرى لأخرى مفيدة لسهولة تأتيها بالنسبة إلى قدرته عز وجل بعد بيان صعوبة منالها بالنظر إلى قدرتهم، والأحاطة مجاز عن الاستيلاء التام أي قد قدر الله تعالى عليها واستولى فيه في قبض قدرته تعالى يظهر عليها من أراد، وقد أظهركم جل شأنه عليها وأظفركم بها، وقيل: مجاز عن الحفظ أي قد حفظها لكم ومنعها من غيركم، والتذييل بقوله سبحانه: {وَكَانَ الله على كُلّ شَىْء قَدِيرًا} أوفق بالأول، وعموم قدرته تعالى لكونها مقتضى الذات فلا يمكن أن تتغير ولا أن تتخلف وتزول عن الذات بسبب ما كما تقرر في موضعه، فتكون نسبتها إلى جميع المقدورات على سواء من غير اختصاص ببعض منها دون بعض وإلا كانت متغايرة بل مختلفة، وجوز كون {أخرى} منصوبة بفعل يفسره قد أحاط الله بها مثل قضى.
وتعقب بأن الأخبار بقضاء الله تعالى بعد اندراجها في جملة الغنائم الموعود بها بقوله تعالى: {وَعَدَكُمُ الله مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا} [الفتح: 20] ليس فيه مزيدة فائدة وإنما الفائدة في بيان تعجيلها، وأورد عليه أن المغانم الكثيرة الموعودة ليست معينة ليدخل فيها الأخرى، ولو سلم فليس المقصودة بالإفادة كونها مقضية بل ما بعده فتدبر، وجوز كونها مرفوعة بالابتداء والجملة بعدها صفة وجملة قد أحاط إلخ خبرها، واستظهر هذا الوجه أبو حيان، وقال بعض الخبر محذوف تقديره ثمت أو نحوه، وجوز الزمخشري كونها مجرورة باضمار رب كما في قوله:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ***
وتعقبه أبو حيان بأن فيه غرابة لأن رب لم تأت في القرآن العظيم جارة مع كثرة ورود ذلك في كلام العرب فكيف تضمر هنا، وأنت تعلم أن مثل هذه الغرابة لا تضر، هذا وتفسير الأخرى غانم هوازن قد أخرجه عبد بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس واختاره غير واحد، وقال قتادة. والحسن: هي مكة وقد حاولوها عام الحديبية ولم يدركوها فأخبروا بأن الله تعالى سيظفرهم بها ويظهرهم عليها، وفي رواية أخرى عن ابن عباس. والحسن، ورويت عن مقاتل أنها بلاد فارس والروح وما فتحه المسلمون، وهو غير ظاهر على تفسير المغانم الكثيرة الموعودة فيما سبق بما وعد الله تعالى به المسلمين من المغانم إلى يوم القيامة، وأيضًا تعقبه بعضهم بأن {لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا} يشعر بتقدم محاولة لتلك البلاد وفوات دركها المطلوب مع أنه لم تتقدم محاولة.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: هي خيبر، وروى ذلك عن الضحاك. وإسحق. وابن زيد أيضًا، وفيه خفاء فلا تغفل.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10